ما أشبه قضية الرجل الأمريكي من أصل إفريقي الذي قضى نحبه تحت ركبة الشرطي وهو يصرخ "أريد أن أتنفس" بقضية الشعب السوري الذي يئن تحت قانون قيصر الأمريكي، ولسان حاله يقول: أريد أن أتنفس، أريد أن آكل، أريد أن تعود حياتي إلى مجراها الطبيعي.
.
قانون قيصر هو حبل يلتف حول عنق الشعب السوري، وفي كل يوم يمر يزيد اللف حتى الاختناق والموت.. لقد طبقته في العراق زمن صدام حسين، وراح ضحيته مليون ونصف المليون عراقي لحاجتهم الغذاء والدواء، وما زالت تبعاته قائمة حتى اللحظة، لأن النفط العراقي مازال تحت إشراف الخزينة الأمريكية التي تأخذ منه تعويضاتها وتعويضات حلفائها.
.
إيران تقف معنا في المغطس ذاته.. لها أسبابها، ولنا أسبابنا.. والأمور تسير تجاه تجويع الشعب السوري والشعب الإيراني، ومتابعة الاستنزاف لتحويل الدولتين إلى دولتين فاشلتين مستسلمتين قابلتين بأسوأ الحلول.
.
لنقرأ الوضع السوري الآن:
- داخليا: غلاء يضرب بالخواصر والبطون يفوق الوصف على صعيد المأكل والملبس والدواء وكافة مناحي الحياة، وفي كل يوم تتصاعد الأمور أكثر فأكثر.. الدولار يطير والأسعار تطير بأسرع منه.
- يضاف إليه دمامل المسلحين واحتلال تركي ودول التحالف.. مع ضيف روسي صوفي روحاني صامت كثير الأدب لايهمه شيء سوى مصلحته الشخصية التي أثبتتها الوقائع.. وما من أفق لحل هذا الواقع.
- خارجيا: حصار أمريكي أوروبي عربي (عالمي)، واعتداء إسرائيلي لا ينقطع.. فالحصار لايكل، وإسرائيل لا تمل.. لكننا مللنا من عبارة (قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف بعض مواقعنا في منطقة كذا، وتصدت لها دفاعاتنا الجوية واقتصرت الأضرار على الماديات).. هذا من شأنه أن يقوي من معنويات العدو شعبا وجيشا، ويثبط من معنوياتنا أكثر مما هي مثبطة.
.
ما الحل؟
.
الحل أن لا ننتظر الحل الروسي الأمريكي، فروسيا لا شيء يقلقها.. وصلت البحر المتوسط والمياه الدافئة، وركزت أوضاعها.. أخذت قاعدة حميم وطرطوس والحسكة، واستثمرت الفوسفات والغاز والنفط ومحطة الحجاز.. وأعطتنا صواريخ مكتفة لا تنطلق إلا بإذن منها.. وهي تشاهد العدوان الإسرائيلي فلا تهش ولا تنش.
وأكثر من ذلك، فقد عانى الشعب السوري من الزمهرير في الشتاء المنصرم، ولم ترسل لنا باخرة نفط واحدة، وهي تعلم أن دول الحصار لا تجرؤ أحد على منعها كما فعلوا مع الباخرة الإيرانية على الرغم من معاهدة الصداقة بيننا.. ناهيك عن غض النظر إن لم نقل السماح بالدخول التركي واحتلال الأرض السورية.
.
لن نخرج من هذه الضائقة إلا بالحرب مع إسرائيل، لأنه لم يعد لدينا ما نخشى عليه، فالمعركة أصبحت معركة بطون، والجائع سوف يسرق وينهب ويقتل، وها نحن أولاء نرى السارقين والناهبين والقاتلين وطالبي الفدية يتكاثرون يوما بعد يوم.. وماذا ننتظر بعد أن فقدنا الأمن والأمان؟
.
أرى أن الظروف مهيأة الآن.. فأمريكا تمر بأسوأ الأوضاع السياسية والاقتصادية ومأزق الكورونا والهيجان الشعبي (دفعت 700 مليار دولار تعويضات لزلزال الكورونا – 40 مليون عاطل عن العمل وهؤلاء قنبلة موقوته ستنفجر قريبا جدا – وهي ستدفع أضعاف المبلغ السابق كتعويضات عن خراب وحرق وتعفيش أكثر من 50 مدينة – وترامب وفريقه يقترب من عنق زجاجة الانتخابات -.. كل ذلك ينعكس على إسرائيل التي تمر بأزمة وزارية مستعصية وعسيرة الحل ومحاكمة نتيناهو على فساده حيث سقط الكثير من صلاحياته في هذه الأيام.
.
فلو جرى تنسيق سوري إيراني مع حزب الله، ومع أول عدوان إسرائيلي نقوم بالرد عليه بقصف بنك أهداف معروف لدى الجميع بعاصفة من الصواريخ الذكية والغبية والعشوائية – وهي موجودة عند حلف المقاومة - فلن تدوم هذه الحرب أكثر من أسبوع، حتى تسارع إسرائيل عندما ترى هذا الدمار الهائل طالبة من أمريكا التدخل مع الروس
.
وإذا عطفنا على ذلك قيام إيران بإغلاق الخليج على الملاحة البحرية، حيث يكفي أن تغرق باخرة بشكل عرضاني في خليج هرمز، فتصبح حاملة الطائرات عبارة عن بحيرة نفط عائمة وهدفا سهلا لصواريخ الزوارق السريعة وصواريخ أرض سطح.
.
وقتها سيستغل الحوثيون الموقف ويغلقون باب المندب، ليجبروا السعودية على التفاوض، وستكون فرصة لكي تنزل السعودية عن الشجرة أمام هذا الحريق الذي يشمل الشرق الأوسط بكامله.
.
وآنذاك سوف ينفذ السيد حسن نصرالله وعده باحتلال الجليل وبعض المستعمرات التي ستغدو رهائن بين يديه، وهو قادر على ذلك وجماعته مدربون على ذلك منذ أيام تحرير القصير التي كانت أصعب معارك وملاحم التاريخ.
.
وسيرافق ذلك حراك شعبي عراقي وخاصة من الحشد الشعبي لضرب القواعد الأمريكية وإخراجها من العراق.
.
هذا الوضع سيؤدي حتما إلى التفاوض على قانون قيصر والحصار، والاحتلال التركي، وعودة إدلب، واقتلاع المسلحين، ووضع الأكراد بضمانة دولية، وعودة الجولان، وتطبيع العلاقات, وإعادة الإعمار، وصفقة القرن، وخروج الإيراني من سورية على أسس جديدة أولها فك الحصار وتأمين طريق بري لتجارتهم إلى البحر المتوسط.. وتحويل حزب الله إلى حزب سياسي لضمان أمن إسرائيل وراحة بعض مسيحيي لبنان.. وتتحلحل الأمور.
.
منذ زمن نسمع عن رغبة الدول الغربية بقيام شرق أوسط جديد، فلماذا ننتظر حتى يرسموه كما يشاؤون؟ ولمَ لا نشارك نحن بصنعه؟
.
وبلا شك ستكون تضحياتنا كبيرة وخسائرنا كثيرة، لكنها ستعوض بأكثر من طريقة، وستكون أرحم من الموت البطيء الذي نعيشه تحت الحصار.. وقتها ستشرق شمس سورية من الغرب.. وإذا ما كبرت ما بتزغر.