[ بين (العقل) و (النقل) ]
1▪︎ يظهر التّفريق بين العقل و النّقل من بديهيّات مقبولة عند مختلف الفئات الاجتماعيّة و دوائر الوعي و الإدراك و فئات الفكر و التّفكير.
2▪︎ فلا يختلف إثنان على أنّ " العقل " هو " ملكة المحاكمة" التي يتبنّاها الفهم في ذائقته الإدراكيّة و حساسيّته الجماليّة و " دافعه " نحو " العدالة " و " الطّموح إلى الخير " و مصلحة الأحياء ؛ هذا كما أنّه " حظيرة الإدراك " التي على صاحبها " الانتماء " إليها بوصفه أداة حيّة للفعل الاجتماعيّ و التّاريخيّ ؛
3▪︎ مع القرار بالتّفاعل مع الآخرين و أحكامهم التي تجتمع مع أحكامنا ، لنؤسّس لمؤسّسة إدراكيّة ، تتعامل مع "المعاصرة'" كخيار وحيد أمام تبنّي العقل الفرديّ و الاجتماعيّ لذاته و اعتداده بوجوده اعتداداً ذاتيّاً..
يسمح لنا و للجميع أن ننطلق و ينطلقوا في الحكم و المحاكمة الأخلاقيّة و الحساسيّة الحضاريّة ، بما هي وسائل تَقنيّة لاستخدام الأدوات المتوفّرة و المتاحة ، من وسائل الاكتشاف و الكشف و التّعليل و التّسويغ و الاستدلال بأنواعه المنطقيّة التّقليديّة المعروفة.
4▪︎ فالعقل في الاستعمال هو استخدام الملموسيّات المضارعة - المعاصرة في كل زمان و مرحلة تاريخيّة ، بما فيها أحكام القيمة العمليّة و أحكام القيمة المعيارية ، التي تسمح لنا بالمفاضلة بين نتائج القيمة العملية بالذّات ، بما يتوافق مع حاجاتنا و حاجات المجتمع "الآن".
5▪︎ و أمّا " النّقل " فهو استطراد الماضي الدّارس في " الحاضر " الحيّ ، و العمل على تطبيق أحكام الماضي ، العملية و التّجريبيّة و الأخلاقيّة ، في وقائع حاضرة نعيشها " الآن " ، بوصفها (حسب زعم من ينادي بالنّقل ) ثابتة و صالحة لكلّ زمان و مكان.
6▪︎ و من الواضح أنّ من يقولون بالنّقل يعملون على رؤية الحاضر بعيون الماضي ، و هذا أمر متعذّر ( مستحيل ) من نواحٍ كثيرة ، أهمّها أن الماضي انتهى و انقضى و لا يُمكن لنا استعادته ، عندما يتعلّق الأمر بالوقائع الإدراكيّة ، التي تُماَرسُ في لحظتها فقط ، و هذا من ناحية..
7▪︎ و أمّا من ناحية ثانية ، فإنّه لا يُمكن للعقل تحدّي الزّمان الماضي ، بادّعائه قدرته على معاصرة الأشياء الغائبة في الزّمان ، مع أنّ العقل بوصفه ملكة أحكام و نواميس ، يُمكن له معاصرة المستقبل بواسطة الاحتمالات و النّبوءات المبنيّة على خبرات سابقة ، تتقاطع أو تتشابه أو تتماثل أجزاؤها و عناصرها ، مع مكوّنات الّلحظة المعاصرة التي تتطلّب منّا المواقف العمليّة و النّظريّة و الحلول الحيويّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة ، التي نعاصرها الآن..
8▪︎ و يمكن لها أن تستبق لحظتها بطرق الاختزال و الابتسار ، و أعني باستدعاء و استعجال الحلّ بسرعة ، عندما يتوقّف الأمر على قيمة و أهمّيّة الزّمن في العلاقة مع الواقع و مع العالم.
9▪︎ وينطلق القائلون بالنّقل من أنّ هنالك أحكاماً صالحة لكلّ زمان و مكان ، و هذا خطأ يقعون فيه حتّى وفق منهجهم النّقليّ ، إذ أن جميع الأديان السّماويّة تحضّ على استخدام العقل في أمور الدّنيا و الحاضر، لأنّها من مصلحة الأحياء أصحاب الشّأن و الأمور..
10▪︎ بينما هنالك من أصحاب النّقل من يقول بأنّ من الأشخاص - من غير الكتب السماوية - من يستطيع أن تمتد طاقاته إلى جميع العصور ، بما في ذلك حاضرنا ، بحيث يعبّرون ببلاهة أنّ " الأقدمين لم يتركوا لنا شيئاً إلّا و قالوا فيه و وضعوا له الحلول"..
و هذا واضح أنّه تخريف بتخريف ، و بخاصّة عندما يقول هؤلاء بقدسيّة نصوص وضعها ما يُسمّونهم "علماء"..
11▪︎ و بهذا يحكم الأمواتُ الأحياءَ ، و يرفع أصحابُ هذه النّظرة البائسة أشياءَ يوميّةً شرّعها أصحابها بخصوص مناسبات حيّة في وقتها - و لم يقولوا هم أنفسهم بأنّها صالحة لكلّ زمان و مكان - و هذا ما كان دأب النّبيّ الأعظم محمّد من أقواله و في مواقفه الممعروفة عنه ، حتّى حال وجوده و حياته ، عندما كان يقول للمسلمين في مناسبات مختلفة و معروفة " أنتم أعلم بأمور دنياكم منّي ".
12▪︎ إن أخطر ما في مقولة " النّقل " لا " العقل " أنّ أصحابها يرفعون الأحاديث اليوميّة و العاديّة إلى درجة " القداسة " و " التّحريم "..
و واضحٌ في هذا أنّهم يعملون على حكم الآخرين بأوهام تستديم لهم السّلطة السّياسيّة على المحكومين ، بذريعة " قدسيّتها " الكاذبة ، ليجعلوا من المجتمع المعاصر مجتمعاً مستَلباً للماضي و مستلباً لصالح " الحكّام " الذي يحكمون باسم المقدّس ، و هذا ما يجعل الحكومات الزّمنيّة و الحكومات الدّينيّة تتعاضد لسحق حقوق الأفراد و المجتمعات و نزع قابليّات تطوّرهم.
13▪︎ وجميعنا نعرف - أو بفترض أن نعرف - أن الثّورة الدّينيّة في الإصلاح " البروتستانتيّ " الكبير في الكنيسة المسيحيّة ، كان مضمونها رفض تدخّل حكومات الدّين في أمور الدّنيا ، و هذا ما جعل من ( مارتن لوثر ) أحد أنبياء الإنسانيّة في التّقويم الاجتماعيّ و الأخلاقيّ و السياسي ، لدى مئات الملايين..
و لقد سبقه في ذلك ، بمئات السنين ، نبيّ الإسلام (محمد بن عبدالله ) في أخذه بمبدأ دنيويّة المصالح البشريّة.
14▪︎ فالّنقل ، في رأينا ، يمكن أن يُؤخذَ به فقط في ما هو ثابت بأنّه مقدّس ، إذ أنّ في إضفاء صفة التّقديس على بعض الأحكام ، خلافاً كبيراً بين مجتهد و آخر ، و هذا وصل في " الدّين الإسلاميّ " إلى تجرؤ البعض على القول بأن بعض آيات " القرآن " نفسه ، مُضافٌ إضافة بشرية و دنيويّة !!..
ناهيك عن تفسير القرآن الذي يختلف عليه " الجميع " تقريباً..
15▪︎ وهذا فضلاً عن انّه قام في الأديان الأخرى ، ما يِشبه هذا الأمر من تقديرات و تخمينات مختلفة في أمور التّحريف في وضع النّصوص المقدّسة..
حتّى أنّه يكاد يبدو للمحقّق الدّارس ، أنّ الكثير مِمَّا حوله من نصوص مقدّسة مزعومة ، إنّما هو عرضة للنّقد أو التّفسير أو التّاويل ، و هذا ما قامت عليه حروب و ثورات و جماهيريّات تاريخيّة ، و هو في اشتداد.
------------------------
■ عندما يقال:
( إذا اختلف العقل مع النقل ، فإن المشكلة في العقل )!
فذلك:
1▪︎ يتناقض مع ما قاله القرآن الكريم نفسه.
2▪︎ يتناقض مع العقل البشري.
3▪︎ يتناقض مع ما قاله كبار مفكري العرب والمسلمين ، عبر مئات السنين( وهنا نتحدث عن المفكرين وليس عن فقهاء السلاطين ).
4▪︎ يتناقض مع العلم.
5▪︎ يتناقض مع جوهر الدين.
6▪︎ يتناقض مع المصلحة العامة
7▪︎ يتناقض مع نهج الدولة العروبية العلمانية الوطنية التي ننتمي إليها.
8▪︎ يتناقص مع روح العصر.
9▪︎ يتناغم مع الفقه الظلامي التكفيري.
10▪︎ يرسل رسالة ، لا داعي لها ، إلى الجهات الإقليمية و الداخلية التي احتضنت ورعت ومولت ووظفت الفقه الظلامي التكفيري.
11 ▪ من حق وواجب جميع الشرفاء ، أن يدلوا بآرائهم التصويبية ، بعيدا عن أي استهدافات شخصية ، في ما يخص مقولة ( العقل .. والنقل ).
12 ▪ والمسألة ليست بسيطة وعابرة ، كما يظن البعض ، بل هي مسألة جوهرية مصيرية ، منذ أكثر من ألف عام ، عندما بدأ الخلاف حولها بين إمام العقل ( ابن رشد ) وإمام النقل ( الغزالي )..
13 ▪ وقد تدحرج [ النقل ] من ( الغزالي ) مرورا ب ( ابن تيمية ) و ( محمد بن عبد الوهاب ) وصولا إلى ( سيد قطب ) فالتفريخات الإرهابية الظلامية التي عششت في الأمصار العربية والإسلامية.
14▪ ويبقى تشبث المستنيرين ب [ العقل ] والدفاع عنه ، هو الجسر الذي يؤدي بالوطن والشعب والأمة ، إلى طريق التطور والتقدم والحضارة .
15 ▪ والخيار مصيري ولا يحتمل التراخي ولا الإهمال ولا غض النظر ، بل يستدعي من جميع الشرفاء قول كلمة الحق والدفاع عنها ، في كل زمان ومكان .
------------‐------------
[ للمفكّر السوري الراحل جورج طرابيشي مقولات شهيرة تعبر عن منهجه النقدي ، الذي اشتهر به , نستعرض هنا سبعاً منها ] :
1 ▪︎ المقولة الأولى :
كل حديث عن الإصلاح السياسي ، مع الإبقاء على المنظومة المعرفية القديمة والمفاهيم التقليدية ، إنما هو نقش على ماء.
2 ▪︎ المقولة الثانية :
إن الانفتاح على الحداثة هو الذي يمكن أن يطرح على التراث أسئلة جديدة.. وأن يستنطقه أجوبة جديدة.. وأن يعيد صياغته في إشكاليات جديدة.
3 ▪︎ المقولة الثالثة :
من قبل ، ما كنت أقرأ - والقراءة هوايتي الكبرى - إلا مع أو ضد.. ومن بعد ، صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد.. من قبل كنت أقرأ لأحكم ، ومن بعد صرت أقرأ لأعرف.. من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه.. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه.
4 ▪︎ المقولة الرابعة :
ثقافتنا هي انغلاق على مفاهيم من عصور سابقة كانت فعالة آنذاك ، لكنها اليوم بلا أدنى فعالية ، نحن نريد أن نجيب عن أسئلة الأبناء بأجوبة الأجداد.
5 ▪︎ المقولة الخامسة :
عدو الديمقراطية هو تصوير الديمقراطية على أنها الخلاص.. وكبرى مشكلات العالم العربي أننا اختصرنا الديمقراطية إلى أحد مظاهرها ، وهو صندوق الاقتراع.
6 ▪︎ المقولة السادسة :
العقل لا يكون عقلا إلاّ إذا كان نقديا.
7 ▪︎ المقولة السابعة :
مجتمع يريد الديمقراطية في السياسة ولا يريدها في الفكر ولا على الأخص في الدين ، هو مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معا.
----------‐--------------------
[ معظم المثقّفين العرب ... أَشْبَاهُ مثقّفين ]
● كَمْ يدعو للانزعاج والاشمئناط ، كَثِيرٌ من " المثقفين " الذين لا يَتَحَلَّوْنَ بشيء من المزايا الإيجابية للمثقفين الحقيقيين ، كالروح الإبداعية ، والغيرية ، والإقدام ، والريادة ، والعمل الدائب لِنُصْرَة القضايا الكبرى ، والاستعداد للتضحية في سبيلها.
● وأمّا " المثقفون " الذين - للأسف - يشكّلون الأكثرية الكاثرة بين صفوف المثقفين العرب ، ويتّصفون بكل الصفات السلبية الخاصّة بالمثقفين ، كالنرجسيّة والكسل والمزاجيّة والتعالي والتنصّل من تحمّل المسؤولية ، والغرق في الأوهام غير القابلة للتحقق ، فهؤلاء هم الفئة الغالبة.
● ويتحمّل أشباه المثقفين العرب هؤلاء ، قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الواقع السلبي الذي تعيشه الأمة العربية..
بعد أن تحول بعضهم - إن لم يكن معظمهم - إلى بغال وحمير طروادة ، سواء من فروا إلى الخارج ، أو من بقي منهم في الداخل .
● وهذا لا ينفي وجود كوكبة لا يستهان بها من المثقفين العرب ، حملوا أرواحهم على أكفهم ، وقرروا أن يعبروا عن وجدانات شعوبهم وضمائر أمتهم العربية ..
ولهؤلاء عميق التحية والتقدير والاحترام والإجلال.
------------‐------‐-----------
[ ما هي " الكربلائية " ؟ ]
▪ لقد ثار الإمام ( الحسين بن علي ) رغم معرفته الأكيدة بأن موازين القوى ليست لصالحه .
▪ ولذلك قرر أن يكون امتداداً وترجمةً حقيقيةً لأبيه " الإمام علي بن أبي طالب " ..
▪ وقرر أن يعطي درساً بليغاً للأجيال اللاحقة ، بأنّ النصر المبين ، لا يكون فقط بالتربُّع على كرسي الحكم ..
بل يكون بالدرجة الأولى والأهمّ ، بالحفاظ على القضية حيّةً في نفوس الأجيال اللاحقة ، في مناخ اختلال موازين القوى الشديد لصالح العدو .
▪ ومن هنا ولدت كربلاء والروح الكربلائية ، التي تعني التضحية بالنفس ، في سبيل القضية وفي سبيل الآخرين .
▪ و كان السيد المسيح .. الكربلائي الحقيقي الأول في التاريخ ، بمعنى التضحية بالنفس من أجل قضية عظيمة ومن أجل الآخرين ..
︎ و كان يوسف العظمة كربلائيا ..
︎ وكان عزالدين القسام كربلائيا .
و كان جول جمال كربلائيا .
---------------------------
( لا تقف طويلا ً عِنْدَ نَهْشِ الآخرين ، لك )
● مِنْ مبادئي في الحياة ، منذ نعومةِ أظفاري ، هو عدمُ الوقوف طويلا ً ، عند أيِّ كلامٍ سيّءٍ يُقالُ عَنِّي ..
● بل أقومُ بِتدقيقِ هذا الكلام بيني وبين نفسي ، فإذا كانَ صحيحاً ، فشُكْراً لمن قاله ُ عَنّي ، لِأنَّهُ نَبَّهَني ، عامِداً كانَ أم غٓيْرَ عامِد ، إلى أخطائي ، ومنحني الفرصة َ لكي أُبادِرَ إلى تصويبها . .
● و إذا كانَ الكلامُ السيّء عنّي، غَيْرَ صحيح ... أشْعُرُ بالسعادة لِأنّه غير صحيح ، مهما تَرَكٓ أثاراً سلبيّة ً عند الآخرين المُضٓلَّلين ..
وحينئذ ، أضع مثل ذلك الكلام ، ليس وراء ظهري ، بل تحت قدمي ، مهما كان سيئا ، وأتابع المسير.
----------------------------
● قال لي صديق وطني عزيز ( ما هو سر هذه الكراهية ل إيران ، من قبل قسم كبير من العرب ؟ )
● فأجبته : لأن هؤلاء يكرهون أنفسهم ، ويعملون ضد شعوبهم وأوطانهم ، ويعادون أصدقاءهم ، ويصادقون أعداءهم..
ولأن هؤلاء جهلة وبلهاء ، أوموتورون وضغائنيون ، أو مأجورون ومرتهنون..
● وللأسف تشكل هذه القطعان التي تلحس المبرد ، مساحة لا يستهان بها.